فصل: قول المسيح: أَنْتُمْ مِنْ تَحْتُ. أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَأَنَا لَسْتُ مِنْهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قول الإنجيل: قال الرب لربي: اجلس عن يميني:

قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك يتخذ المسيحيون من قول المسيح لليهود في إنجيل لوقا [20: 42]: «كيف يُقال للمسيح أنه ابن داود، وداود نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك فداود نفسه يدعو المسيح ربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟» دليلًا على لاهوته.

.الرد على هذه الشبهة:

الحقيقة أن من يتأمل تلك الجملة التي استشهد بها السيد المسيح من سفر المزامير معتبرا إياها بشارة في حقه، يراها دليلا واضحا على نفي ألوهيته المسيح لا على إثبات ألوهيته!
أولًا: عبارة المزامير تقول: قال الرب «أي الله» لربي «أي المسيح» اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطأً لقدميك، وبناء على هذه الجملة لا يمكن أن يكون المقصود من كلمة ربي الثانية هو الله أيضا، وذلك لأن المعنى سيصبح عندئذ: قال الله لِلَّه اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك!! وكيف يجلس الله عن يمين نفسه!؟
ثانيًا: إذا كان ربي الثانية إلهًا فإنه لا يحتاج لأحد حتى يجعل أعداءه موطئا لقدميه، بل هو نفسه يسخر أعداءه بنفسه ولا يحتاج إلى من يسخرهم له! فتأمل...
ثالثًا: أن مخاطبة الله لإله آخر تعني وجود إلهين اثنين وهذا يناقض عقيدة التوحيد التي هي أساس الرسالات السماوية! فهذا كله يؤكد أن ربي الثانية ليس الله ولا بإله ثان بل لابد أن يكون معناها شيئا غير ذلك، فما هو؟
رابعا: إن المفهوم اللفظي للنص يكذب ما يفهمه النصارى منه، فالمسيح عليه السلام لم يضع أعدائه في مواطئ قدميه، بل كان يهرب من أعدائه كما في الأناجيل بل إنهم ضربوه ولكموه وجلدوه كما تحكي الأناجيل.
الحقيقة أن ما يريده المسيح من عبارته تلك هو تذكير اليهود بمقامه العظيم- الذي تشير إليه عبارة نبيهم داود- قائلا لهم: كيف تعتبرون المسيح مجرد ابنٍ لداود مع أن داود نفسه اعتبر المسيح الآتي المبشر به والذي سيجعله الله دائنا لبني إسرائيل يوم الدينونة: ربًّا له: أي سيدا له ومعلما؟!
وبمراجعة بسيطة للأناجيل ندرك أن لفظة الرب تستخدم بحق المسيح بمعنى السيد والمعلم، وقد سبقت الإشارة لذلك ولا مانع أن نعيدها هنا، فقد جاء في إنجيل يوحنا [1: 38]: (فقالا: ربي! الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ وجاء فيه أيضا: [20: 16]: «قال لها يسوع: يا مريم! فالتفتت تلك وقالت له: ربوني! الذي تفسيره يا معلم».
وإذا رجعنا لمزامير داود في العهد القديم وجدنا أن البشارة هي الفقرة الأولى من المزمور رقم 110، ولفظها- كما في الترجمة الكاثوليكية الحديثة:
«قال الرب لسيّدي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك» العهد القديم/ ص 1269.
فما عبر عنه المسيح بلفظة ربي هو في الحقيقة بمعنى سيدي ولا حرج فالمقصود واحد.
لذلك نجد أن الترجمات العربية المختلفة للعهد الجديد، خاصة القديمة منها كانت تستخدم لفظة السيد في مكان لفظة الرب، ولفظة المعلم في مكان لفظة رابِّي.
وختامًا نقول: كيف يكون المسيح إلهًا لداود وغيره، وداود يقول في مزاميره في نبوءة عن المسيح: (أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَتَرَاجَعَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادَقَ» مزمور [110: 4، 5] وقد استشهد بها بولس في رسالته إلي العبرانيين [5: 6].
قول المسيح أنا قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن.
وللرد على هذا الاستدلال نقول:
إن صح ما ذكره يوحنا ونسبه للمسيح عليه السلام من قوله: «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» فإن هذا القول لا يفيد في ألوهية المسيح بشيء ولا كونه الأقنوم الثاني من الثالوث الوثني، وإنما يعني أنه في علم الله الأزلي أن الله جل جلاله سيخلق المسيح بعد خلق إبراهيم وموسى وداود وسليمان وزكريا ويحيى.ففي علم الله الأزلي متى سيخلق المسيح وكل الأنبياء وذلك قبل خلق إبراهيم وسائر الأنبياء. لأن الله جلت قدرته إن لم يكن عالمًا، لكان ذلك نقصًا في حق الإله والنقص محال على الله عز وجل.
وإذا كان المسيح إلهًا لأنه قال عن نفسه: «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» فماذا يكون سليمان بن داود عندما يقول في سفر الأمثال [8: 22 _ 30]: «أنا كنت مع الله من الأزل قبل خلق العالم وكنت ألعب بين يديه في كل حين وكنت عنده خالقًا».
والذي يقرأ بداية الإصحاح الأول من سفر الأمثال سيعرف أن الكلام لسليمان فيكون سليمان أولى بالألوهية من المسيح.
وماذا يكون إرميا الذي قال عنه الرب: «قبل أن أصورك في البطن عرفتك، وقبل أن تخرج من الرحم قدستك» ارميا [1: 4، 5].
وماذا يكون ملكي الذي له صفات وخصائص تفوق صفات وخصائص المسيح إذ يقول عنه الكتاب:... «لأن ملكي صادق هذا كاهن الله العلي... ملك السلام بلا أب وبلا أم وبلا نسب لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة وهو مشبه بابن الله». [الرسالة إلى العبرانيين 7: 1_ 3].
يقول الأستاذ الباحث سعد رستم في معرض رده على هذه الشبهة:
أولا: كون الشخص وجد قبل إبراهيم أو قبل يحيى «عليهما السلام» أو حتى قبل آدم أو قبل خلق الكون كله، لا يفيد، بحد ذاته، ألوهيته بحال من الأحوال، بل أقصى ما يفيده هو أن الله تعالى خلقه قبل خلق العالم أو قبل خلق جنس البشر، مما يفيد أنه ذو حظوة خاصة ومكانة سامية وقرب خصوصي من الله، أما أنه هو الله، فهذا يحتاج لنص صريح آخر، ولا يوجد شيء في العبارة المذكورة أعلاه بنص على ذلك على الإطلاق، وهذا لا يحتاج إلى تأمل كثير.
ثانيا: هذا إن أخذنا ذلك التقدم الزماني على ظاهره الحرفي، مع أنه من الممكن جدا أن يكون ذلك من قبيل المجاز، بل قرائن الكلام تجعل المصير إلى المعنى المجازي متعينا، وهذا يحتاج منا لذكر سياق تلك العبارة من أولها:
جاء في إنجيل يوحنا [8: 56- 59]: «... وكم تشوق أبوكم إبراهيم أن يرى يومي، فرآه وابتهج. قال له اليهود: كيف رأيت إبراهيم، وما بلغت الخمسين بعد؟ فأجابهم: الحق الحق أقول لكم: كنت قبل أن يكون إبراهيم فأخذوا حجارة ليرجموه، فاختفى وخرج من الهيكل».
فقبلية عيسى المسيح على إبراهيم هنا، لا يمكن أن تكون قبلية حقيقية في نظر النصارى، لا باعتبار ناسوت المسيح المنفك عن اللاهوت طبقا لاعتقادهم، لأن ولادة عيسى الإنسان كانت بعد إبراهيم اتفاقا، ولا باعتبار حصول الحقيقة الثالثة المدعاة له أي تعلُّق اللاهوت بالناسوت، لأن ذلك تم مع ولادة المسيح من العذراء وروح القدس الذي تم أيضا بعد إبراهيم اتفاقا.و لا يمكن أن يكون قصده سبق المسيح على إبراهيم باعتبار لاهوته الأزلي المدَّعى، بقرينة أن بداية الكلام كانت عن رؤية إبراهيم لهذا اليوم، أي يوم بعثة المسيح ورسالته، وابتهاج إبراهيم به، فالكلام إذن عن رؤية المسيح المبعوث في الأرض، وهذا تم بعد إبراهيم اتفاقا، فلم يبق إلا أن يكون المراد بالقبلية علم الله السابق بتقدير إرسال عيسى في هذا الوقت، وما يترتب عليه من الإرشاد والرحمة بالعباد. فإن قيل: أيُّ خصوصية للمسيح في ذلك، إذ أن هذا المحمل- أي علم الله السابق- مشترك بينه وبين سائر الأنبياء، بل جميع البشر؟
فالجواب: أنه عليه السلام لم يذكر ذلك في معرض الخصوصية، وإنما ذكره قاطعا به استبعاد اليهود لسرور إبراهيم وفرحه بيومه، وتصحيحا لصدقه فيما أخبر ولصحة رسالته، ببيان أن دعوى رسالته ثابتة في نفس الأمر ومقررة سابقا وأزلا في علم الله القديم.و قد ورد مثل ذلك في ألفاظ خاتم المرسلين سيدنا محمد حيث قال: «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» والحديث صحيح وينظر إلي «السلسة الصحيحة» للألباني (4: 471) رقم (1856) وأخرجه الإمام أحمد (4:66).

.قول المسيح: أَنْتُمْ مِنْ تَحْتُ. أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَأَنَا لَسْتُ مِنْهُ:

قالوا: ففي هذا النص أكد اختلافه عنا نحن البشر وأنه ليس من هذا العالم المادي بل هو من فوق وأنه نزل إلى الأرض من السماء، فكل هذا يدل على أنه إلهٌ نزل وتجسَّد.

.الرد على هذه الشبهة:

إن المسيح قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضا، فقد جاء في إنجيل يوحنا هذا [15: 19]: «لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم».
وفي الإصحاح 17 من هذا الإنجيل أيضا يقول عيسى في دعائه لأجل التلاميذ:
«أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أني لست من العالم. لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما أني لست من العالم» يوحنا [17: 14- 15].
فقال في حق تلاميذه أنهم ليسوا من العالم وسوَّى بينه وبينهم في عدم الكون من هذا العالم، فلو كان هذا مستلزمًا للألوهية كما زعموا، للزم أن يكونوا كلهم آلهة- والعياذ بالله- بل التأويل الصحيح للعبارة الإنجيلية هو: أنا لست من أبناء هذه الدنيا، أي الراكنين إليها المطمئنين بها الراغبين بها، بل من طلاب الله والآخرة، الذين ليس في قلبهم تعلق وحب إلا لِلَّه، فأنا من أهل ذلك العالم العلوي القدسي عالم الأطهار والملائكة، لأنه هو قبلتي ووجهتي ومنه جئت برسالة الله وإليه أعود بعد أدائها. فتعبيره نوع من المجاز، وهو مجاز شائع معروف، يقال فلان ليس من هذا العالم، يعني هو لا يعيش في الدنيا ولا يهتم بها ولا بمفاتنها بل همُّهُ كله الله والدار الآخرة فقط. وكذلك الحال بالنسبة للحواريين. وإلا لكان الحواريين آلهة سواء بسواء وهذا باطل.

.تسمية المسيح بابن الله:

يدعي المسيحيون بأن المسيح أطلق عليه عبارة ابن الله وهذا دليل على ألوهيته.

.الرد على هذه الشبهة:

أن لفظ ابن الله لم يقتصر في الكتاب المقدس على المسيح بل اطلق لفظ ابن الله على كثيرين غير المسيح فهي تسمية عامة والدليل على ذلك:
ورد في سفر صموئيل الثاني [7: 14] ان الرب يقول عن النبي سليمان: «أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا».
وفي سفر الخروج [4: 22] أن الرب يقول عن إسرائيل: «إسرائيل ابني البكر» وفي المزمور التاسع والعشرين الفقرة الأولى يقول النص: «قدموا للرب يا أبناء الله... قدموا للرب مجدًا وعزًا».
وفي المزمور الثاني الفقرة السابعة أن الرب قال لداود: «أنت ابني وأنا اليوم ولدتك».
وفي العهد الجديد يقول المسيح في انجيل متى الإصحاح الخامس: «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون».